فصل: بَابُ دَعْوَةِ الْمُكَاتَبِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ مُكَاتَبَةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَجُلٌ بَاعَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ أَوْ مُدَبَّرَتِهِ خِدْمَتَهَا مِنْ نَفْسِهَا جَازَ ذَلِكَ وَهُمَا حُرَّتَانِ، وَالثَّمَنُ دَيْنٌ عَلَيْهِمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَ رَقَبَتَهُمَا مِنْ نَفْسِهِمَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِمَا الْخِدْمَةُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ فَهُوَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ يَكُونُ مُسْقِطًا حَقَّهُ عَنْهُمَا بِعِوَضٍ وَمُضِيفًا لِتَصَرُّفِهِ إلَى مَا هُوَ الْمَمْلُوكُ لَهُ عَلَيْهِمَا فَيَصِحُّ وَيَجِبُ الْبَدَلُ بِنَفْسِ الْقَبُولِ.
أُمُّ وَلَدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ كَاتَبَهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَلِلْآخَرِ أَنْ يَنْقُضَ الْكِتَابَةَ كَمَا لَوْ كَانَتْ قِنَّهُ وَلَا يُقَالُ هُنَا لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَبِيعَاهَا قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَلِمَاذَا ثَبَتَ لِلسَّاكِتِ حَقُّ فَسْخِ كِتَابَةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ لَهُمَا أَنْ يَسْتَخْدِمَاهَا وَيُؤَاجِرَاهَا؛ وَلِأَنَّ لَهُمَا أَنْ يَسْتَدِيمَا الْمِلْكَ فِيهَا وَإِذَا رُدَّتْ الْكِتَابَةُ تَعَذَّرَ عَلَى الشَّرِيكِ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِيهَا فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْكِتَابَةَ لِدَفْعِ هَذَا الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ.
وَلَوْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ وَأَمَةً لَهُ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ، ثُمَّ أَعْتَقَ أُمَّ الْوَلَدِ أَوْ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ فَالْأُخْرَى تَسْعَى فِي نِصْفِ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يَتَوَزَّعُ عَلَى قِيمَتِهِمَا، وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ وَبِإِعْتَاقِ أُمِّ الْوَلَدِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا حِصَّتَهَا مِنْ الْبَدَلِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَ مُدَبَّرًا لَهُ وَقِنًّا وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَإِنْ خَرَجَ الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ نِصْفُ الْبَدَلِ وَسَعَى الْآخَرُ فِي نِصْفِ الْبَدَلِ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مُدَبَّرًا أَوْ قِيمَتُهَا أُمَّ وَلَدٍ مِثْلَ قِيمَةِ الْقِنِّ؛ لِأَنَّ فِي الِانْقِسَامِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي تَنَاوَلَهَا الْعَقْدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.بَابُ دَعْوَةِ الْمُكَاتَبِ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: جَارِيَةٌ بَيْنَ مُكَاتَبٍ وَحُرٍّ وَلَدَتْ فَادَّعَاهُ الْمُكَاتَبُ فَالْوَلَدُ وَلَدُهُ، وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدِهِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ عُقْرِهَا وَنِصْفَ قِيمَتِهَا لِلْحُرِّ يَوْمَ عَلَقَتْ مِنْهُ وَلَا يَضْمَنُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ بِمَالِهِ مِنْ حَقِّ الْمِلْكِ فِي كَسْبِهِ يَمْلِكُ الدَّعْوَةَ كَالْحُرِّ فَبِقِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ فِي نِصْفِهَا هُنَا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ وَثَبَتَ لَهَا حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِي حَقِّ امْتِنَاعِ الْبَيْعِ تَبَعًا لِثُبُوتِ حَقِّ الْوَلَدِ وَيَصِيرُ مُتَمَلِّكًا نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْهَا مِنْ حِينِ عَلَقَتْ فَيَضْمَنُ نِصْفَ عُقْرِهَا لِشَرِيكِهِ وَنِصْفَ قِيمَتِهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا يَضْمَنُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ حَادِثٌ عَلَى مِلْكِهِ، وَالْحُرُّ فِي نَظِيرِ هَذَا لَا يَكُونُ ضَامِنًا شَيْئًا مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ وَأَشَارَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْجَنِينَ تَبَعٌ أَلَا تَرَى أَنَّ أَمَةً إذَا كَانَتْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَهِيَ حُبْلَى فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْهَا كَانَ مَا فِي بَطْنِهَا أَيْضًا لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ ضَمِنَ ذَلِكَ ثُمَّ عَجَزَ كَانَتْ الْجَارِيَةُ وَوَلَدُهَا مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا كَسْبُهُ، وَقَدْ خَرَجَا مِنْ حُكْمِ الْكِتَابَةِ بِعَجْزِهِ فَكَانَا مَمْلُوكَيْنِ لَهُ.
وَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْهُ وَلَمْ يُضَمِّنْهُ شَيْئًا حَتَّى عَجَزَ كَانَ نِصْفُ الْجَارِيَةِ وَنِصْفُ الْوَلَدِ لِشَرِيكِهِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُمَا خَرَجَا مِنْ حُكْمِ الْكِتَابَةِ بِعَجْزِهِ وَنِصْفُهُمَا عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ الْحُرِّ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الضَّمَانُ إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ وَبَقَاءِ الْمِلْكِ لِلشَّرِيكِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ بِالضَّمَانِ هُنَاكَ يَصِيرُ مُتَمَلِّكًا نَصِيبَ الشَّرِيكِ، وَالضَّمَانُ كَانَ وَاجِبًا مَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعَجْزِ وَصَارَ الْحُرُّ مُتَمَكِّنًا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ مِنْهَا وَلَكِنْ عَلَيْهِ نِصْفَ الْعُقْرِ لِإِقْرَارِهِ بِوَطْئِهَا بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً بَيْنَهُمَا فَادَّعَى الْمُكَاتَبُ وَلَدَهَا جَازَتْ الدَّعْوَةُ لِبَقَاءِ حَقِّ مِلْكِهِ فِي نِصْفِهَا بَعْدَ الْكِتَابَةِ، وَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ وَأَخَذَتْ الْعُقْرَ مِنْ الْمُكَاتَبِ بِوَطْئِهِ إيَّاهَا، وَإِنْ شَاءَتْ عَجَزَتْ، وَضَمِنَ الْمُكَاتَبُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ لَوْ ادَّعَى الْوَلَدَ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْحُرُّ هُوَ الْمُدَّعِي وَاخْتَارَتْ أَنْ تُعْجِزَ نَفْسَهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَإِذَا كَانَ الْمُكَاتَبُ هُوَ الْمُدَّعِي فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ فِي امْتِنَاعِ بَيْعِهَا وَلَكِنْ لَا تَثْبُتُ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ فِيهَا حَقِيقَةً مَا لَمْ يُعْتَقْ الْمُكَاتَبُ بِالْأَدَاءِ فَإِنْ كَانَا ادَّعَيَا الْوَلَدَ فَالدَّعْوَةُ دَعْوَةُ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فِي نِصْفِهَا وَحَقُّ الْمِلْكِ لَا يُعَارِضُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ وَلِأَنَّ فِي تَصْحِيحِ دَعْوَةِ الْحُرِّ إثْبَاتَ الْحُرِّيَّةِ لِلْوَلَدِ فِي الْحَالِ وَحَقِيقَةُ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لِلْأُمِّ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي دَعْوَةِ الْمُكَاتَبِ فَإِنْ اخْتَارَتْ الْمُضِيَّ عَلَى الْكِتَابَةِ، ثُمَّ مَاتَ الْحُرُّ سَقَطَ نَصِيبُ الْحُرِّ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ عَنْهَا؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ عَتَقَ بِمَوْتِهِ فَكَأَنَّهُ عَتَقَ بِإِعْتَاقِهِ وَسَعَتْ فِي أَقَلَّ مِنْ حِصَّةِ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَمِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا.
وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا كَمَا بَيَّنَّا فِي مُكَاتَبَةٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ يُعْتِقُهَا أَحَدُهُمَا، وَإِنْ اخْتَارَتْ الْعَجْزَ سَعَتْ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ نِصْفَ الْقِيمَةِ لِلْمُكَاتَبِ أَمَّا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ لَمْ تَثْبُتْ فِي نَصِيبِ الْمُكَاتَبِ بَعْدُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ كَانَ نَصِيبُهُ مِلْكًا لِلْمَوْلَى؛ فَلِهَذَا بَقِيَ قِيمَةُ رِقِّهَا فِي حُكْمِ الضَّمَانِ، وَالسِّعَايَةِ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ نَصِيبَ الْمُكَاتَبِ بِالضَّمَانِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ.
وَمَنْ أَعْتَقَ نِصْفَ أُمِّ وَلَدِهِ عَتَقَ كُلُّهَا وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ وَطِئَهَا أَوَّلًا فَوَلَدَتْ لَهُ، ثُمَّ وَطِئَهَا الْحُرُّ فَوَلَدَتْ لَهُ فَادَّعَيَا الْوَلَدَيْنِ مَعًا، وَلَمْ يُعْلَمْ إلَّا بِقَوْلِهَا فَوَلَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ بِغَيْرِ قِيمَةٍ وَيَغْرَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهَا الصَّدَاقَ وَبِهَذَا اللَّفْظِ تَبَيَّنَ أَنَّ عُقْرَ الْمَمْلُوكَةِ هُوَ الصَّدَاقُ، وَأَنَّهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَسْتَعْمِلُ لَفْظَ الْعُقْرِ فَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ الصَّدَاقَ وَهِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْعَجْزِ، وَالْمُضِيِّ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ فَإِنْ عَجَزَتْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْحُرِّ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُمَا الْتَقَتْ فِيهَا بِالْوَلَدَيْنِ وَلَوْ الْتَقَتْ دَعْوَتُهُمَا فِيهَا فِي وَلَدٍ وَاحِدٍ كَانَ الْحُرُّ أَوْلَى بِهَا؛ لِأَنَّ فِي دَعْوَتِهِ إثْبَاتَ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَهَا فِي الْحَالِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا لِلْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ الْمُكَاتَبِ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ فِيهَا حَقَّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لِلْمُكَاتَبِ بَعْدُ وَوَلَدُ الْمُكَاتَبِ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ حِينَ وَطِئَهَا كَانَ نِصْفُهَا مَمْلُوكًا لَهُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ لِلْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ صَارَ مَقْصُودًا فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ بِالدَّعْوَةِ حِينَ لَمْ يَتَمَلَّكْ نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الْأُمِّ فَيَضْمَنُ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ مِنْ الْوَلَدِ لَهُ بِخِلَافِ الْحُرِّ فَإِنْ عَجَزَتْ وَعَجَزَ الْمُكَاتَبُ مَعَهَا كَانَ وَلَدُ الْمُكَاتَبِ رَقِيقًا بَيْنَ مَوْلَاهُ وَبَيْنَ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ضَمَانِ نِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ لِلْحُرِّ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِاعْتِبَارِ تَمَلُّكِهِ إيَّاهُ بِالِاسْتِتْبَاعِ فِي الْكِتَابَةِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِعَجْزِهِ، وَإِنْ كَانَ وَطْءُ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ وَطْءِ الْحُرِّ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْحُرِّ كَمَا بَيَّنَّا وَوَلَدُ الْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْلَدَ أُمَّ وَلَدِ الْحُرِّ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اُسْتُحْسِنَ إنْ أُثْبِتَ نَسَبُهُ، وَهُوَ لِلْحُرِّ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَطِئَهَا كَانَ نِصْفُهَا مَمْلُوكًا لَهُ فِي الظَّاهِرِ وَذَلِكَ يَكْفِي لِثُبُوتِ النَّسَبِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا فِيهَا الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى، وَالزِّيَادَاتِ فِي الْحُرَّيْنِ لَا أَنَّ هُنَاكَ مُدَّعِي الْأَصْغَرِ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْوَلَدِ لِشَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ بِحُكْمِ الْغُرُورِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ إذْ عَلَّقَ حُرَّ الْأَصْلِ وَهُنَا لَا يُعْتَقُ الْأَصْغَرُ عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ فَيَبْقَى مَمْلُوكًا لِمُدَّعِي الْأَكْبَرِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ.
وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُثْبِتُ الْحُرِّيَّةَ بِسَبَبِ الْغُرُورِ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ فِي النِّكَاحِ دُونَ مِلْكِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ مَا ظَنَّهُ الْمُكَاتَبُ هُنَا لَوْ كَانَ حَقِيقَةً لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ حُرًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ، وَالْمَآبُ.

.بَابُ كِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مُرْتَدٌّ كَاتَبَ عَبْدَهُ، ثُمَّ لَحِقَ بِدَارُ الْحَرْبِ، ثُمَّ رَجَعَ مُسْلِمًا فَإِنْ رَفَعَ الْمُكَاتَبُ إلَى الْقَاضِي فَرَدَّهُ فِي الرِّقِّ فَالْمُكَاتَبَةُ بَاطِلَةٌ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى مُكَاتَبَتِهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ كَانَ مَوْقُوفًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ بَطَلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ عَادَ الْمِلْكُ إلَيْهِ.
وَإِذَا كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ، ثُمَّ ارْتَدَّ الْمَوْلَى فَهُوَ عَلَى مُكَاتَبَتِهِ، وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ لُحُوقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا كَمَوْتِهِ وَبِمَوْتِ الْمَوْلَى لَا تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ بَعْدَ مَا صَحَّتْ وَلَكِنْ يُؤَدِّي الْمُكَاتَبَةَ إلَى وَرَثَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ قَبَضَ مِنْهُ مُكَاتَبَتَهُ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ قُتِلَ مُرْتَدًّا لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ بِالْقَبْضِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ قَوْلًا فَيَبْطُلُ إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ يَجُوزُ أَخْذُهُ لِلدَّيْنِ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ فِي كُلِّ مَا وَلِيَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِنْ مِلْكِهِ بِثَمَنٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُونَ إنَّ هَذَا الْجَوَابَ غَلَطٌ فِي الْكِتَابَةِ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْمَبِيعِ حَقُّ الْقَبْضِ فِيهِ لِلْعَاقِدِ فَأَمَّا فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ حَقُّ الْقَبْضِ لَيْسَ لِلْعَاقِدِ وَلَكِنَّهُ لِلْمَالِكِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْكِتَابَةِ لَا يَقْبِضُ الْبَدَلَ فَكَانَ هَذَا دَيْنٌ وَجَبَ لَهُ لَا بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِهِ فَلَا يَصِحُّ قَبْضُهُ فِي بَرَاءَةِ الْمَدْيُونِ إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ.
(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ هُنَا يَثْبُتُ لَهُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ بَاشَرَ الْعَقْدَ فِي مِلْكِهِ فَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ وَلَاءَهُ، وَإِنْ قَبَضَ وَرَثَتُهُ الْبَدَلَ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لَهُ بِالْعَقْدِ لَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِرِدَّتِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَسْتَحِقُّ الْحُرِّيَّةَ عِنْدَ تَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ وَرِدَّتُهُ لَا تُبْطِلُ اسْتِحْقَاقَ الْمُكَاتَبِ.
(فَإِنْ قِيلَ) لِمَاذَا لَا يَقُولُ فِي الْإِقْرَارِ هَكَذَا اسْتَحَقَّ بَرَاءَةَ قِيمَتِهِ عِنْدَ إقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ مِنْهُ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِرِدَّتِهِ (قُلْنَا) إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ عِنْدَ إقْرَارِهِ بِقَبْضِ مِلْكِهِ مِنْهُ، وَالْمِلْكُ هُنَا صَارَ لِوَرَثَتِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُخْرِجٌ لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْ مِلْكِ وَرَثَتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بَعْدَ الرِّدَّةِ، وَالْقَبْضُ مُقَرِّرٌ حَقَّ وَرَثَتِهِ فِي الْمَقْبُوضِ فَيُمْكِنُ تَنْفِيذُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا حَتَّى لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَجَعَلَ الْقَاضِي مَالَهُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ فَأَخَذُوا الْمُكَاتَبَةَ، ثُمَّ رَجَعَ مُسْلِمًا فَوَلَاءُ الْعَبْدِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْوَلَاءَ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَإِذَا رَجَعَ مُسْلِمًا فَهُوَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَثْبُتَ الْوَلَاءُ لَهُ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ دَبَّرَ عَبْدَهُ فَأَعْتَقَهُ الْقَاضِي بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ رَجَعَ مُسْلِمًا كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ دُونَ الْوَرَثَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فَيُعَادُ إلَيْهِ مَا يَجِدُ مِنْ مِلْكِهِ قَائِمًا بَعْدَ إسْلَامِهِ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْمِلْكِ وَيَأْخُذُ مِنْ الْوَرَثَةِ مَا قَبَضُوهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ إنْ وَجَدَ بِعَيْنِهِ سَوَاءٌ قَبَضُوا جَمِيعَ الْبَدَلِ أَوْ بَعْضَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ»، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.بَابُ شَرِكَةِ الْمُكَاتَبِ وَشُفْعَتِهِ:

(قَالَ): وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُشَارِكَ حُرًّا شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَنْبَنِي عَلَى الْمُسَاوَاةِ فِي التَّصَرُّفِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْحُرِّ، وَالْمُكَاتَبِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَلِأَنَّ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ الْعَامَّةَ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِمَا يَلْزَمُهُ، وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَظْهَرُ فَإِنَّ عِنْدَهُ كَفَالَةَ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ تَلْزَمُ شَرِيكَهُ فَلَوْ صَحَّحْنَا الْمُفَاوَضَةَ بَيْنَهُمَا لَكَانَ إذَا كَفَلَ الْحُرُّ بِمَالٍ يَلْزَمُ ذَلِكَ الْمُكَاتَبَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ الْمَالُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْحُرَّ شَرِكَةَ عَنَانٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَضَمَّنُ تَوْكِيلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِالشِّرَاءِ، وَالْبَيْعِ، وَالْمُكَاتَبُ فِي ذَلِكَ كَالْحُرِّ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ ذَلِكَ انْقَطَعَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رُدَّ فِي الرِّقِّ صَارَ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ شَرِيكُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ فَلِهَذَا تَبْطُلُ الشَّرِكَةَ.
(قَالَ): وَلَهُ الشُّفْعَةُ فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمَوْلَى وَلِلْمَوْلَى فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ الْتَحَقَ بِسَائِرِ الْأَجَانِبِ فِي حَقِّهِ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَرِي مِنْ صَاحِبِهِ فَيَجُوزُ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ.
(قَالَ): وَلَوْ أُعْتِقَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ شَرِكَةِ الْعَنَانِ بَقِيَتْ الشَّرِكَةُ عَلَى حَالِهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَأَكَّدَ بِالْعِتْقِ وَكَذَلِكَ قُدْرَتَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فَيَبْقَى شَرِيكُهُ عَلَى وَكَالَتِهِ.
(قَالَ) وَإِنْ شَارَكَ الْغَيْرَ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ، ثُمَّ عَتَقَ لَمْ تَصِحَّ تِلْكَ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمُفَاوَضَةِ، وَالْعَقْدُ إذَا بَطَلَ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ لَا يَصِحُّ بِحُدُوثِ الْأَهْلِيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ.
(قَالَ): وَإِنْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَعَجَزَ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ انْقَطَعَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ رَأْيٍ كَانَ ثَابِتًا لَهُ بَيْنَ الْفَسْخِ، وَالْإِمْضَاءِ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ الْعَجْزِ لَهُ لِمَا صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ عَنْ التَّصَرُّفِ كَمَا لَوْ مَاتَ وَلَا يَخْلُفُهُ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ لِأَنَّ رَأْيَ الْإِنْسَانِ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ إلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ الدَّارَ بِعَجْزِهِ خَرَجَتْ مِنْ حُكْمِ مِلْكِهِ وَصَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمَوْلَى وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِخِيَارِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ بَعْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ كَمَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُكَاتَبِ الْمُشْتَرِي فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ تِلْكَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِمَا اشْتَرَى حَتَّى يَمْلِكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ فَتَجِبُ الشُّفْعَةُ لَهُ بِاعْتِبَارِهِ وَأَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ يَكُونُ إسْقَاطًا مِنْهُ لِخِيَارِهِ؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ بِهِ مِلْكُهُ فِي الْمُشْتَرَى حِينَ حَصَّلَ ثَمَرَةَ ذَلِكَ الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا بِالشُّفْعَةِ حَتَّى رَدَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ فَلَا شُفْعَةَ فِي الدَّارِ الْأُخْرَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلِأَنَّهُ زَالَ جِوَارُهُ بِرَدِّ الْمُشْتَرِي وَأَمَّا الْبَائِعُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَارًا حِينَ بِيعَتْ هَذِهِ الدَّارُ.
(قَالَ): وَلَا يُقْطَعُ الْمُكَاتَبُ فِي سَرِقَتِهِ مِنْ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ يَدْخُلُ بَيْتَهُ مِنْ غَيْرِ حِشْمَةٍ وَلَا اسْتِئْذَانٍ فَلَا يَتِمُّ إحْرَازُ الْمَالِ عَنْهُ، وَالْقَطْعُ لَا يَجِبُ إلَّا بِسَرِقَةِ مَالٍ مُحْرَزٍ قَدْ تَمَّ إحْرَازُهُ وَكَذَلِكَ إنْ سَرَقَ مِنْ ابْنِ مَوْلَاهُ أَوْ مِنْ امْرَأَةِ مَوْلَاهُ أَوْ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَوْ سَرَقَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ سَرَقَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ الْمَوْلَى لَمْ يُقْطَعْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَدْخُلُ دَارَ بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا حِشْمَةَ وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ يَدْخُلُ عَادَةً فِي كُلِّ بَيْتٍ يَدْخُلُ فِيهِ مَالِكُهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةٌ فِي دَرْءِ الْعُقُوبَةِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ الْمَوْلَى لَمْ يُقْطَعْ فَكَذَلِكَ مِنْ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مِلْكُ الْمَوْلَى وَلَهُ فِي كَسْبِهِ حَقُّ الْمِلْكِ.
(قَالَ) فَإِنْ سَرَقَ الْمُكَاتَبُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ رُدَّ فِي الرِّقِّ فَاشْتَرَاهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَفِي مِثْلِهِ الْمُعْتَرِضُ بَعْدَ الْوُجُوبِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْمُقْتَرِنِ بِالسَّبَبِ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّارِقَ لَوْ مَلَكَ الْمَسْرُوقَ بَعْدَ وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَيْهِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ، وَإِنْ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ فَكَذَلِكَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ إذَا مَلَكَ السَّارِقَ بَعْدَ وُجُوبِ الْقَطْعِ.
(قَالَ): وَإِنْ سَرَقَ الْمُكَاتَبُ مِنْ رَجُلٍ وَلِذَلِكَ الرَّجُلِ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ وُجُوبِ الدَّيْنِ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَى السَّارِقِ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَطَلَبَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ دَيْنَهُ فَقَضَى الْقَاضِي أَنْ يُبَاعَ لَهُ فِي دَيْنِهِ، وَقَدْ أَبَى الْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ لَمْ يَصِرْ مَالِكًا، وَإِنْ قَضَى الْقَاضِي بِأَنْ يُبَاعَ فِي دَيْنِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِحْسَانَ، وَقِيلَ فِي الِاسْتِحْسَانِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ صَارَتْ لَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ إذَا بِيعَ فِي الدَّيْنِ يُصْرَفُ ثَمَنُهُ إلَيْهِ فَيُجْعَلُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ صَارَ الْمِلْكُ لَهُ فِي رَقَبَتِهِ فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ وَلَكِنَّهُ اسْتِحْسَانٌ ضَعِيفٌ فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا.
(قَالَ): وَإِنْ سَرَقَ الْمُكَاتَبُ مِنْ مُكَاتَبٍ آخَرَ لِمَوْلَاهُ لَمْ يُقْطَعْ كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ كَسْبَ ذَلِكَ الْمُكَاتَبِ مِنْ وَجْهٍ لِمَوْلَاهُ أَوْ يُجْعَلُ سَرِقَةُ الْمُكَاتَبِ كَسَرِقَةِ مَوْلَاهُ وَلَوْ سَرَقَ الْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ الْمُكَاتَبِ لَا يُقْطَعُ فَكَذَلِكَ مُكَاتَبُهُ وَكَذَلِكَ إنْ سَرَقَ مِنْ عَبْدٍ كَانَ بَيْنَ مَوْلَاهُ وَبَيْنَ آخَرَ، وَقَدْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى نَصِيبَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا كَالْمُكَاتَبِ لِمَوْلَاهُ مِنْ وَجْهٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّرِيكَ إذَا اخْتَارَ ضَمَانَ الْمَوْلَى رَجَعَ الْمَوْلَى بِهِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لَهُ.
(قَالَ) وَإِذَا سَرَقَ الْمُكَاتَبُ مِنْ مُضَارِبِ مَوْلَاهُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الْمَوْلَى لَوْ سَرَقَهُ مِنْهُ لَا يُقْطَعُ فَكَذَا مِنْ مُضَارِبِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ الْمُكَاتَبُ مِنْ مَالِ رَجُلٍ لِمَوْلَاهُ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي السَّرِقَةِ كَفِعْلِ الْمَوْلَى وَلَوْ سَرَقَ الْمَوْلَى هَذَا الْمَالَ لَمْ يُقْطَعْ وَكَيْفَ يُقْطَعُ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ.
فَأَمَّا إذَا كَانَتْ السَّرِقَةُ عُرُوضًا وَقُطِعَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْمَوْلَى ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ لَهُ حَقًّا وَلَا شُبْهَةً فِيمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فِي مَالِ الْمَدْيُونِ فَلِهَذَا يُقْطَعُ الْمَوْلَى، وَالْمُكَاتَبُ بِسَرِقَتِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصِّدْقِ، وَالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ، وَالْمَآبُ.
(قَالَ) شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الزَّاهِدُ: انْتَهَى شَرْحُ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ بِإِمْلَاءٍ الْمَحْصُورِ الْمُعَاتَبِ، وَالْمَحْبُوسِ الْمُعَاقَبِ وَهُوَ مُنْذُ حَوْلَيْنِ عَلَى الصَّبْرِ مُوَاظِبٌ وَلِلنَّجَاةِ بِلَطِيفِ صُنْعِ اللَّهِ مُرَاقِبٌ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.